أي النساء تلد مثله
الحاجب : مولاي أمير المؤمنين .. هذا رسول من بلاد الفرنجة بالباب ...
يشير الخليفة بيده .. ويدخل الرسول مطأطئ الرأس حتى يقف بين يديه ..
الرشيد : هات ما عندك ..
يمد الرسول يده برسالة .. يأخذها الحاجب من يده .. ويعطيها الخليفة ..
يفتح الخليفة الرسالة :
من نقفور ملك الروم إلى هارون ملك العرب أما بعد : فإن الملكة التي كانت قبلي أقامتك مقام الرخ وأقامت نفسها مقام البيدق ، فحملت إليك من أموالها وذلك لضعف النساء وحمقهن ، فإذا قرأت كتابي فاردد ما حصل قبلك وافتد نفسك وإلا فالسيف بيننا !
تغيّرت ملامح الرشيد .. احمر وجهه .. انتفخت أوداجه .. كأنه بركان يستعد للثوران .. أو قنبلة بدأ عدّها التنازليّ لتنفجر ..
دارت في ذهنه صور ملتهبة .. تحركها ريح عاصف من الغضب .. ويؤججها وقود شديد الانفجار من الأنفة والشموخ ..
ما هذا ؟؟
هذا الكلام موجّه لأعظم أمراء الأرض ؟؟
هذه الرسالة ترسل إلى من وطئت جيوشه وكتائبه مشارق الأرض ومغاربها ؟؟
ومن نقفور هذا ؟؟ أنا لا أعرفه !!
وهل يستحق أصلا أن أقرأ اسمه ؟ أو أنظر في رسالته ؟؟
ليتني استقبلت من أمري ما استدبرت .. إذا لما فتحت الرسالة .. ولا قرأت سطورها ..
نظر الخليفة إلى الرسول نظرة صقر غاضب .. وكأنه يردد في جوانحه قول النبي صلى الله عليه وسلم (( لولا أن الرسل لا تقتل لقتلتكما ))
لم يكن لديه من الوقت ما يكفي لطلب ورقة يكتب فيها ردا على هذا المتطاول .. فالغضب قد بلغ أشده .. والقلب يحتاج لعملية سريعة تريح ما تأجج بداخله من بركان الغيظ الهائج ..
لم يكن أمير المؤمنين يرى أن هذا الدعيّ النكرة يستحق أن يخسر لأجله قطعة من كتاب !!
قلب الأسد الورقة .. وخطّ على ظهرها كلمات بقيت منقوشة على ذاكرة التاريخ ..
هذه الكلمات قليلة .. ولكنها تغني عن ملايين الكلمات التي نسمعها اليوم عن الشجب والاستنكار والاعتراض ..
هذه الكلمات معدودة .. ولكنها تغني عن آلاف الملفات التي ترزح تحتها أدراج قضايانا ودواليب مصائبنا ..
كلمات .. تعني كل معاني العزة والشموخ والتحدي ... لماذا ؟؟
لأنها لم تصدر ضمن مواثيق الأمم المتحدة .. وليس لها رقم في قرارات مجلس الأمن الدولي ...
كلمات - برغم طول العهد بها .. وبعد الزمان بيننا وبينها - إلا أنها تشعّ كل يوم قوة ومجدا .. وأنفة وسموّا ..
كلمات .. ترسم صورة ذلك البركان الهائج يثور على مساحة التاريخ ..
كلمات .. لا تحتاج إلى شرح أو توضيح أو إعادة .. فالمثل يقول (( كلام الملوك لا يعاد ))
تبّا لك يا نقفور .. أيّ مصيبة هذه التي أوقعت فيها نفسك ؟
تبّا لك يا نقفور !! أهكذا تخاطب أسيادك ..؟؟
تبّا لك يا نقفور .. ثم تبّا لك .. هل كنت بكامل قواك العقلية وأنت تخطّ هذه الرسالة ..؟؟ لا أظن ذلك !!
يا نقفور .. بما أنك تطاولت على أسيادك .. فخذ هذا الرد على ظهر رسالتك .. لتكون وصمة عار على جبينك .. على طول الزمن .. وممر التاريخ ..
مِنْ هَارُونَ أَمِيرِ المؤْمِنِينَ إِلى نُقْفُورَ كَلبِ الرّومِ ! قَرَأتُ كِتَابَكَ يَا ابنَ الكَافِرَةِ ! وَالجَوَابُ مَا تَرَاهُ دُونَ مَا تَسْمَعُه